اسم الکتاب : الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية المؤلف : النخجواني، نعمة الله الجزء : 1 صفحة : 569
إياهم
ثُمَّ بعد إهلاك قوم نوح وإغراقهم أَنْشَأْنا وأظهرنا من ذرية من في سفينة نوح عليه السّلام مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ هم عاد وثمود فانحرفوا ايضا عن جادة التوحيد
فَأَرْسَلْنا فِيهِمْ رَسُولًا ناشئا مِنْهُمْ ابتلاء لهم واختبارا لمن اعتبر منهم فقال لهم رسولهم على مقتضى وحينا والهامنا إياه أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ الواحد الأحد المستقل بالالوهية والوجود واعلموا انه ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ يعبد له ويرجع اليه غَيْرُهُ أَتتخذون وتأخذون غيره الها وتعبدون له إفكا وتتضرعون نحوه في الوقائع والخطوب فَلا تَتَّقُونَ من غضبه ولا تخافون عن قهره وانتقامه ايها المفسدون المفرطون
وَبعد ما بلغهم الرسول الوحى به قالَ الْمَلَأُ مِنْ اعيان قَوْمِهِ عتوا واستكبارا وهم الَّذِينَ كَفَرُوا بالله باتخاذ الأصنام آلهة وأنكروا وحدة الا له وَكَذَّبُوا بِلِقاءِ الْآخِرَةِ ويوم العرض والجزاء وعموم المواعيد والوعيدات الموعودة فيها وَمع كفرهم وشركهم وانكارهم بالنشأة الاخرى قد أَتْرَفْناهُمْ بوفور نعمنا إياهم فِي الْحَياةِ الدُّنْيا امهالا لهم مخاطبين لضعفة قومهم وسفلتهم ما هذا المدعى الكاذب إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ بلا مزية له عليكم يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ ايضا
مِمَّا تَشْرَبُونَ وَالله لَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً فيما يأمركم به من تلبيساته وتغريراته مع كونه مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ في إطاعتكم وانقيادكم لبنى نوعكم إِذاً لَخاسِرُونَ خسرانا عظيما لا خسران أعظم منه إذ هو خسران العقل والإدراك وتذليل النفس العزيزة بمثلها تغريرا
أَتسمعون وتقبلون منه ايها المجبولون على الدرية والدراية ما يَعِدُكُمْ به من الخرافات المستبعدة عن مقتضى العقل والإدراك وذلك أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً رميما ورفاتا بحيث قد تفرقت اجزاؤكم وتفتتت الى ان صارت منبثة بل عدما صرفا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ منها احياء معادون الى ما كنتم عليه من التشخصات والتعينات
هَيْهاتَ هَيْهاتَ قد بعد بعدا تاما واستحال استحالة شديدة وامتنع امتناعا ظاهرا لِما تُوعَدُونَ من البعث بعد الموت والوجود بعد العدم والإعادة بعد الاماتة
بل إِنْ هِيَ وما الحيوة لنا ايها العقلاء المجبولون على فطرة الدراية والشعور إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا اى ما هي حاصلة لنا الا فيها إذ وجودنا وعدمنا وايجادنا واعدامنا ما هو الا فيها وبالجملة نَمُوتُ ونعدم بعد ما قد كنا موجودين فيها وَنَحْيا ايضا ونوجد بعد ما كنا معدومين فيها وَبالجملة ما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ منشرين من قبورنا احياء بعد ما متنا فيها كما نشاهد من سائر الأشياء يعنى لا منزل لنا سوى الدنيا حياتنا فيها ومماتنا فيها لا دار لنا غيرها
وبالجملة إِنْ هُوَ وما هذا المدعى الكذاب إِلَّا رَجُلٌ مفتر كاذب قد افْتَرى قصدا ونسبه عَلَى اللَّهِ كَذِباً عمدا تغريرا وترويجا مراء وافتراء من انه قال قد أرسلني الله واوحانى كذا كذا وما هي الا مفتريات قد اخترعها من تلقاء نفسه وَبالجملة ما نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ بمجرد هذا الدعوى وان أثبتها ايضا إذ هو بشر مثلنا ولا رسالة للبشر الى البشر وبعد ما يئس عن ايمانهم أخذ في الدعاء عليهم مشتكيا الى الله
حيث قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ وعذبهم بتكذيبهم إياي وتكذيبي مستلزم لتكذيبك يا ربي
قالَ سبحانه اصبر ولا تستعجل في انتقامهم انهم عَمَّا قَلِيلٍ اى عن زمان قليل وأوان قصير لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ على ما فعلوا من التكذيب والإنكار
فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ الهائلة من جانب السماء بغتة قيل صاح عليهم جبرائيل عليه السّلام صيحة هائلة مهولة بعد ما تعلق ارادة الله باهلاكهم ملتبسة بِالْحَقِّ اى بالعذاب الثابت المحقق الواجب وقوعه حتما فَجَعَلْناهُمْ وصيرنا اجسادهم
اسم الکتاب : الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية المؤلف : النخجواني، نعمة الله الجزء : 1 صفحة : 569